الحوار القرآني على ضوء رسائل النور
بداية يحسن بنا أن نعرض لمفهوم
الحوار حتى نمضى قدما على ضوء تحديد المفهوم فنقول :
الحوار:
الرجوع عن الشئ،وإلى الشئ...
يقال : حار إلى الشئ و عنه. حواره ومحاراً و محاورة :
رجع عنه و إليه.
و في الحديث :"من دعا رجلا با الفكر و ليس كذالك
حار عليه " أي رجع إليه ما تسب إليه.
يقول لبيد الشاعر:
وما المرء إلا كالشهاب و ضوئه يحور رمادا بعد إذا هو ساطع
و المحاورة : مراجعة
المنطق و الكلام في المخاطبة.[1]
و المحاورة ايضاً :المجادلة.
و الحوار بمعنى تراجع الكلام قد ورد في الفرآن الكريم
في ثىثة مواضع.
الموضع الاول:
في القصة أصحاب الجنة قال تعالى { فقال لصاحبه وهو يحاوره انا أكثر منك مالا و
أعز نفرا} (المكهف: 37)
المةضع الثاني:
في نفس أصحاب الجنة قال تعالى: { قال له صاحب وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من
تراب ثم من تطفة ثم سواك رجلا} (الكهف: 34) أى وهو يراجعه و يجادله.[2]
و الموضع الثالث:
في القصة المرأة التي حاورت الرسول الله عليه و سلم .قال تعالى{ قد سمع الله
قول التي تجادلك في الزوجها و تشتكي إلى الله و الله يسمع تحاوركما }
(المجادلة: 1)
و يفهم من مواضع الثلاثة. أن الحوار
مراجعة الكلام ،و تداوله بين طرفين[3] و
التحاور ايضا : التجاوب. لذالك كانت لا مندوحة في الحوار من المتكلم و المخاطب.
ولابد فيه من مراجعة الكلام ، و تبادله و تداوله.
و إذاكان الحوار تجاوبا بين الأضداد
كالمجرد،و المشخص،و المعقول،و المحسوس،سمى جدلا.و الجدل هو النقاش و الخصومة.
وهو منطقية : قياس المؤلف من مقدمات
المشهورة ااو مسلمة . و الغرض الجدل : إلزام الخصم، وافحام من هو قاصر عن إدراك
مقدمات البرهان.[4]
و الجدل أصلا هو فن الحوار و
المناقشة.
قال أفلاطون :"الجدلى هو الذي
يحسن السؤال و الجواب".
و غاية إرتقاء من تصور إلى تصور،و
من قول إلى قول .للوصول إلى أعم التصورات و أعلى المبادئ.
و اقتبس المحدثون عن أفلاطون هذا
التعريف و أطلقوا الجدل على إرتقاء من المدركات الحسية الى المعاني العلقية. و من
المعاني الشخصية الى الحقائق المجردة،و من
الأمور الجزئية الى الأمور الكلية.[5]
و قبل أفلاطون زعم سقراط: عن العلم
لا يعلم و لا يدون في الكتب بل يكشف بطريق الحوار[6].
و يذكر العلماء : أن قاعدة القواعد
في النظام الكوني هي حوار الكائنة.و إن جامدة ليأخذ بعضها من بعض، و يعطي بعضها
البعض.كما هي طابعة الحاجة.فيكون الإنسجام،و الشد و العقد،و الإستمرار.
فالحوار ليس قصرا على الكلمات
اللسانية المسموعة، إذ قد يتجاوز إلى لإشارة الموضحة،و البسمة المشرقة،و الحس
الخافق،و العمل الصالح، و الموقف الصالح حتى الصمت لا يبعد أحيانا أن تأتي حوارا.
وإذاكان قد سبق أن قلنا أن من معاني
الحوار مراجعة الكلامو تداوله بين طرفين فإن المجادلة تشترك مع الحوار في كونها
مراجعة الكلام و تداوله بين طرفين.
إلا أن المجادلة تأخذ طابع القوة و
الغلبة،و الخصومة،و أصل كلمة الجدل في اللغة العربية يفيد الشدة و الغلبة.و قد
تستأمل في المناظرة،و المخاصمة،لأن المناظرة و المخاصمة يحتاجان الى قوة في الكلام
و الحج[7].
و الجدل الاصطلاحى: دفع المرء خصمه
عن إفساد قوله بحجه أو شبهة.او يقصد به تصحيح كلامه وهو الخصومة الحقيقة.و يكون
لبغرض منه إلزام الخصم و التغلب عليه في مقام الاستدلال.
فيظهر من معنى الجدل: القوة ن و الخصومة، و الغلبة. و
هذا مالا تجده في الحوار[8].
و الجدول ورد في القرآن الكريم في مواضع كثيرة.يهمنا
منها الآن ثلاثة جاءت غير مذمومة.
قال تعالى {أدع الى سبيل ربك بالحكمة و
الموعضةالحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن} (النحل:125)
وقال تعالى { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي
أحسن} (العنكبوت:46)
وقال تعالى { قد سمع الله قول التي تجادلك في
زوجها و تشتكي إلى الله} (المجادلة :1)
فالجدل لم يؤمر به ولم يمدح في القرآن إلا مقيد
بالحسنى.قال تعالى {و جادلهم بالتي هي أحسن} (النحل:125)
و قال تعالى : { ولاتجادل أهل الكتاب إلى بالتي احسن}
( العنكبوت : 46) فلفظة الجدل مذمومة إلا إذا قيدت[9].
إذن الفرق بين الجدل و الحوار : أنهما يلتقيان في
أنهما حديث او مناقشة بين طرقين،لكن يفترقان بعد ذالك.
و قد تترادف كلمة الحوار و الجدل في أحيان قليلة –
كما سبق عن عرفنا.
و إذا كان مفهوم الحوار هو التجاوب. فمن بداهة القول
بأن الإنسان: كائن عقل و اجتماع ، كائن علاقة و الحاجة.
و من بداهة القول :أن هذه الأحوال أحوج حاجتها:
اللقاءات المتحاورة لتكون المجتمعات الإنسانية على بينة من أمر علاقتها، و على
تناسق مؤتلف، وتفاهم الواع،و ترابط سليم.
و قد لايخفى على أهل العلم، أن الحوار يولد الأفكار
الجديد في ذهن المتحاورين.كما أن الحوار يعمل على توضيح المعاني،وإغناء المفاهيم
بما يقيض إلى تقدم الفكر.
و إن المتأمل في القرآن الكريم يجد أن هذا القرآن
الذي أنزله الخالق لإصلاح حال الخلق.. قد
عالج قضايا العباد بما تستجيب به النفوس،وتتقبله العقول.
-فتارة يعالج الأمر بالقصة.
- وتارة يعالج الأمر بالمثل.
- وتارة يعالج الأمربالحوار.
- وتارة يعالج الأمر بالمناقشة.
وما جرى مجرى هذا مما يجعل للموضوع وقعا،وتأثيرا.
و الحوار له أثر كبير على تقبل السمع أو المحاور
نفسه،حيث أنه وسيلة حية استهدفت إنسانية الإنسان.وقد لا يخفى على أهل العلم و
النظر. أن الحوار يساعد على تقريب المسائل بين المتحاورين .كما أنه عامل لحل كثير
من القضايا و المشاكل...
و نحن ندرك أن الرسول صلى الله عليه وسلم حاور وفد
نجران. كما أن إبراهيمعليه السلام حاور أباه وقومه و قد حكى القرآن الكريم صورا و
نماذج كثيرة من هذه الحورات. مما يعتبر منحجا أصيلا من حيث الاستيعاب لمختلف أنماط
االسلوك البشري،و من الاستغراق الأغوار االنفس الانسانية.
و ليس هناك من شئ أنفع من تربية البشر، و إصلاح
الشعوب،و تقويم النظر من حوار بناء،يعالج شطط الانسان و جموحه الأمر الذي يؤدي الى
ان تتحرك نفس الإنسان من خمود،و أن تستيقط من شبات.
و من يطالع كليات "رسائل النور" للإمام
بديع الزمان سعيد النورسي يجد أن الحوار بمفاهمية و معانية التي ترقى بالإنسان قد
جاءت في مواضع كثيرة. أهمها:
1-
حوار
الإنسان مع النفسه.و هذا يؤدى إلى الالتزام
بالقوم حينا يسعى الإنسان إلى تزكية نفسه و السموبها.
2-
حوار
الإنسان مع الإنسان. و في ظل هذا الحوار تقوم العلاقةالإنسانية بين الأفرادو
الجماعة،و الأمام و الشعوب. الأن الإنسان في المجتمع الإسلامي و الإنساني جزء من
كل يحمى المجتمع و يحتمى به،و يؤطيه و يأخذ منه
و ليس هناك انفصال في الإسلام بين مسئولية الفرد نحو
المجتمع،و المسؤلية المجتمع نحو الفرد.
3-
حوار
الحضارات.لأن حوار الخارجية،ضرورة ختمية لاتستغني عنهاحضارة مهما سمت،وارتقت.
و
يكاد أن يكون معروفا: أن " الملاحق في فقه الدعوة"[10]
للإمام بديع الزمان سعيد النورسي. عبارة عن مجموعة مكاتيب جرت بين النورسي و الطلاب الوائل.
وطابع
"الملاحق" العام طابع توجيهي إرشادى. تدرك في سهولة و يسر أنه يفصح عن
أهمية رسائل النور و منحجها في الدعوة الى الله في هذا العصر.
ونجد
في "الملاحق" مكاتيب ودية يبين فيها طلاب رسائل النور مدى استفاضتهم
الروحية من الرسائل النور،وإستفادتهم العقلية منها،وكيف أنهها حولت مجرى حياتهم،و
فتحت أمامهم أفاقا معروفية واسعة جعلتهم كيف يتحاورون،و يتجاوبون مع الدعوة،و كيف
يتفاعلون مع حركات الحياة.
و
تتضمن "الملاحق" ايضا.خواطر وردت على قلب الحكيم الزمان بديع الزمان
النورسي.يذكرها لطلابه بصدق وإخلاص.
فضلاعن
توجيهات لتقويم السلوك،و كيفية التعامل الحوارى مع الآخرين،و الحث على الايمان
العميق،و العمل المتواصل،و ترابط الوثيق الذي يبنى المجتمع،و يوجد الثقافة الفاعلة
البانية.[11]
و
قد يبدو واضحا أن "الملاحق" تمثل مرحلة متقدمة من الحوار البناء الذي
يأخذ بالإنسان الى المسار الصحيح،و يجنبه عقابات كأداء،ويرشده الى أنبل المواقف.
و
الملاحق في فقه الدعوة تتضمن ثلاثة كتب مستقلة.
- كتاب "بارلا" و هذا االملحق أو
الكتاب يضم المكاتيب الحوارية التي تبدأ مند نفى النورسي الى ناحية
"بارلا" وإقامته إجبارية هناك الى أن اقتيد مع الطلابه الىمحكمة الجزاء
الكبرى في "اسكي شهر"
- كتاب "قسطوموني" و هذا الملحق
او الكتاب يتضمن المكاتيب التي جارت بين النورسي وطلابه بعد قضائه مدة
محكوميته في السجن "أسكى شهر" و نفيه الى قسطوموني.
- كتاب "أمير داغ" و هذا الملحق
أو الكتاب يقوم على جزعين:
الجزء الأول : عبارة عن
مكاتيب النورسي بعد براءته من محكومة "دنيزلي" و إقامة الجبرية في
"أمير داغ".[12]
ومما هو جادير بالذكر أن
"الملاحق" تمتاز بالطابع الدعوى
في مخاطبة المحببين و المناصرين للدين حتى المعارضين له. ويبدو أنه لهذا السبب كانت موضوعات حوار مع النفس،و حوارا
مع الإنسان.
و قد لا يخفى... أن رسائل طلاب
النور التي وصلت الى الحكيم النورسي كانت
تجاوبا. ولهذا كانت حوارا حيا.
و كانت الرسائل النور حوارا
يوضح ما ينبغي أن يقوم به المخلصون من كياسة،وعقلانية،وتسامح مستنير.
يقول النورسي تحت عنوان "مهمة
رسائل النور" إن رسائل النور لا تعمر تخريبات جزئية،ولا ترم بينا صغيرا مهدما
بل تعمر ايضا تخريبات عامة كلية،وترم قلعة عظيمة صخورها كالجبال تحتضن الإسلام،و
تحيط به.
و هي لا تسعى الأصلاح قلب
الخاص،ووجدان معين بل تسعى ايضا- و بيدها إعجاز القرآن-لمداواة القلب العام
المجروح ،و ضماد الأفكار العامة المكلومة،من وسائل المسندة التي هيئت لهاوركمت مند
ألف السنة.
و التنشط لمداواة الوجدان العام الذي توجه نحو الفساد،نتيجة تحطم
الأسس الإسلامية،وتيارته،و شعائره. هي المستند العظيم للجميع،ولاسيما عوام
المؤمنين.
نعم... أنها تسعى لمداواة تلك
الجروج الواسعة الغائرة بأدوية إعجاز القرآن
و الإيمان.
وأمام هذه التخريبات الكلية
الراهيبة،و الشقوق الواسعة،و الجروح الغائرة... ينبغي وجود حجج دافعة،واعتدة مجهزة،بدرجة
حق اليقين،وبقوة الجبالو رسوخها...
فرسائل النور الالنابعةمن الإعجاز
المعنوى القرآن العظيم. تؤدي هذه المهمة أتم أداء،وتحظى في الوقت نفسه بكونهها
مدار انكشاف لمرراتب غير محدودة للإيمان، و مصدر رقي في مدارجة السامية غير
المتناهية.[13]
يعلم الله سبحانه و تعالى أننى وقفت
طويلا أمام هذا النص الذي جادت به قريحة النورسي منطقلا من القرآن الكريم.
إن هذا النص دل في الوضوح على أن
حوار الحكيم النورسي كان حوارا ينطلق من القرآن الكريم.
و النص الذي معنا- فيما اوصى من
تعاليم،وفيما جاء به من التوجيهات-استهدف إنسانية الإنسان ليصل بالإنسان الى الحياة الإنسانية،ويرتفع
بمستواها.
و مما هو مؤكد... أن الإسلام الحنيف منحج متكامل رفيع،ورائد في
قيادة البشر وهدايتهم،ومنحهم غاية السعادة في النفس،و المجتمع،و الدين،و الدنيا،و
الأخرة.
و ذالك يفضل ما جاء به القرآن من
الجلال الوسيلة، وكفاية، الفطرة والوفاء بالغاية.
ومن خير صور العطايا التي أهداها
الإسلام،و منحها البشر... ماجاءهم به من
كريو الأخلاق،وباهر السجايا... ما يمكن أن يعتبر منهجا أصيلا من حيث
الإستيعاب لمختلف أنماط السلوك البشرى،و
السمولية لحياة الناس.و من حيث الإستغراق
الكامللكل أغوار النفس الإنسانية،و أعماقها، وشتي الخواطر الواردة عليها.
و قد لاأكون مجانبا للصواب إذ قالت
: إن الأمام الحكيم بديع الزمان سعيدالنورسي أدرك بالفكره الثاقب،وحسه
القرآني،ووعيه بامته الإسلامية. أن ترك الإنسان من غير توجيه،و من غير تدخل يؤدي
الى فقدان الإرادة،وفقدان الشخصية،و فقدان المقاومة،والمغالبة،وفقدان التمييز و
الإختيارز ثم الخصومة و الضياع،و الذوبان، والانسلاخ عن مضى كان مشرقا ورائعا...
و من هنا جاء النص الذي نقتله من
"الملاحق" طريقا يوصل الإنسان الى حوار يجعله ذا قوة و استطاعة،وذا
ارتباط بالمجتمع،و ذايقظة واعية بالذات،و معرفة بالقيم الإنسانية.
و تطالع-ايها القارئ- وأنت تتابع
صفحات الملاحق العناوين التالية:
- يانفسى المغرمة بالفجر.
- يالنفسي الغوية
- ولاشك.. أت مطالعة هذا العناوين،و الوقوف
حولها-أعماقا و أبعادا-بذالك على أن الحكيم بديع الزمان سعيد النورسي.كان ينطلق من
القرآن الكريم فيحاور النفس.
و محاورة النفس ترقي بالإنسان الى
مراقى الفلاح كما أن محاورة الآخرين دليل صحة و عافية.و محاورة الناس أجمعين تصل
بالإنسانية الى تفاهيم،والتوادد و الأمن.
و هذه المحاورات التي تنطلقمن
القرآن الكريم توضح لك أن الإسلام ديناستهدف كمال النفس،و الجمال الذات،و سمو
الوسيلةنو الجلال الغاية.
و المنبع الحق الذي يؤتى ثماره-في
فكر النورسي- ويعطى نتائجه. لابد أن تتوافر له عناصر رئيسية لاغنى عنها من تخطط،و
المرونةو التدرج ثم الدعوة إليه،و الترغيب فيه و الحث عليه ووجود القدوة التي
تطبقه،وتتحلى به،وتضرب أكمل الأمثال في
توخيه،وتعطي أمثال النتائج في اعتناقه، و الحرص عليه.
و في كثير من محاوراته- رضي الله
عنه-يقول إعلم.. لٌنسان و العالم،و المفكر.و أنت لو قرأت ماجاء في "ذيل القطرة" لوجدت أن جملة
"إعلم" تتكرر سبعة عشرة مرة و في كل مرة يلفت الى أمر آخر.
و في الرسالة الخامسة " حباب
من عمان القرآن الكريم" تتكرر جملة "اعلم".[19] و
في مرة تعمل على ترسيخ مبدأ او تأصيل
قائدة.
و في الرسائل السابعة "زهرة من
رياض القرآن الكريم" تأتي كلمة "اعلم" لتؤديحوارا جديدا.
- اعلم أن ما يوصل اليك بحسب الظاهر من
الوسائل إما له اختيار او لا
- اعلم يامن يستمد من الأسباب.
- اعلم ياقلبى...
- اعلم أن دنياك كمنزل ضيق كالقبر.
- اعلم يا من يريد من يرى شواهد تجيات اسمه
"الحفيظ"
- اعلم ايها السعيد الغافل.
- اعلم أن من سنة الفاطر الحكيم.
- اعلم أن الفذلكات المذكورة في أواخر
الآيات.
- اعلم يا قلبي.
- اعلو يا من يشوق المسلمين على الدنيا.
- اعلم يامن يدعو المسلمين الى الدنيا.
- اعلم ايها الغافل.
و محاورات الشيخ
النورسي التي إنطلقت من القرآن اشتملت على هذا المنهج الحق بكل شعبه و
عناصره،ومقوماته، وسائله، وتبدو هذه السمات و ضيئة الظاهرة، في كل جانب من جوانب
المحاورات التي أدارها و ذالك الأن الإسلام نظام الحياة
الإنسانية،الفاضلة،المستقرة،نظام لحياة الفرد و المجتمع معا.
و أن الإمام النورسي
عمل فيها أجرى من محاورات علىتنبيه إرادة الفرد لايأخذ زمام الإمر بيده، و يقوم
على تنمية الوعى بالمجتمع،وعلى صيانة هذا المجتمع من الانحلال.[21] و
ذالك أنه تجد انه في "الشعاع الثاالث عشر"يبعث برسائل كثيرة الى طلابه.
ترسم لهم المنهج السوى الذي يصل با الناس الى شاطئ الإمن و الإطمئنان.
وفي الشعاع الرابع عشر.[22]
يؤكد لطلاب النور أن رسائل دافع جواني لمحاورة الناس له بصفة أن النورسي خادم
القرآن العظيم.
و "الشعاعات" مدارس
تربوية تستهدف التربية القويمة،و الخلق الرضى، و السلوك السوى،و الأدب الجم،ورياضة
النفس..
إن محاورات الإمام النورسي التي
جاءت في "الشعاعات" أكدت أن جانبالوجدان في الإنسان ليس هو العاطفة
وحدها،ولكنه التفائل و الحاور مع النفس،ومع الأخرين في مجتمعه،وفي مجال الحياة
الذي يعيش فيه.إنه في الحقيحة إدراك الجمال و تعاطف معه،وإدراك الحسن و العمل على
ان يكون محسنا.. وإذا قيل الجمال فهو جمال السلوك،وجمال القوة،و الجمال الصنع،و
الجمال العلاقة مع الغير.
ومما يشد إنتباه الباحث في الرسائل
النور ماجاء في "المذكور الخامس مناللمعات"[23]
حيث يقول: "حينما سار سعيد الجديد في الطريق التأمل و التفكير. انقلبت تلك
العلوم الأوروبية الفلسفية و فنونها التي
كانت مستقرة الى حد ما في أفكار "سعيد القديم"الى امراض قلبية. نشأت
منها مصاعب،ومعضلات كثيرة في تلك السياحة القلبية...
فما كان من سعيد الجديد " إلا
القيام بتحيص فكره،و العمل على نفضه من أدران الفلسفة المزخرفة،ولوثات الحضارة
السفهية.
فرأى نفسه مضطرا الى إجراء المجاورة
الآتيةمع الشخصية المعناوية لأوربا لكبح
جماح ما في روحه من أحاسيس نفسانية منحازة لصالح اوروبا.
فهي محاورة مقتضبة من ناحية،ومسهبة
من ناخية أخري.
ولئلايساء الفهم لابد أن ننبه : أن
اوربا اثنتان:
- احدهما : هي
أوربا النافعة للبشرية بما إستفاضت من النصرانية الحقة،و أدت خدمات لحياة الإنسان
الاجتماعية.بما توصلت اليه من صناعات،و علوم تخدم العدل و الإنصاف.
- أوربا الثانية : تلك
التي تعفنتبظلمات الفلسفة الطبيعية، و فسدت بالمادية الجاسية و حسبت سيئات الحضارة
حسنات لها،وتواهمت مساوءها فضائل فساقت البشرية الى الفساهة، واوردتها الضلالة و
التعاسة.[24]
و يستمر النورسي في محاورته أوربا
الثاتية قلائل:
" يا أوربا الثانية"
"يا أوربا التي نات عن
النصرانية وابتعدت عنها"
"يا أوربا الثانية
الفاسدة "إنك تستندين الى الأسس
واهية نخرة (27).
فيا أوربا ما ورطك في هذا الخطأ
المشين إلا دهائك الأعوار.
- يا أيها أوربا انك أخذت بيمينك الفلسفة
المضلة السقيمة و يسارك المدينة المضرة السفيهة.
- فيا أوربا أهديت بدهائك الأعوار لروح
البشر هذه الحالة الجهنمية.
- مخاطب ليس ضياءباشل بل مفتونون بأوربا
ثم ينتهي من هذا الحوار الهائل الى
المقارنة حية تؤكد أن تعاليم الأسلام التي شرعها الخالق لإصلاح الحال الخلق جاءت
لتنقل البشرية الى الحياة مشرقة بالفضائل.
و ما جاء من مقارنة يضع الإنسان
الواعي امام عضمة مبادئ الإسلام الحنيفة لأن هذه المبادئ تسدى المعونة للإنسان كى
يدعم فطرته.
و من مقارانات النافعة التي جاءت في
محاورة النورسي لأوربا.
- أما التلميذ المخلص الخالص للقرآن الكريم
فهو عبد العزيز وهو لين هين ولاكنه لايتدلل لغير فاطره الجليل، و لغير أمره ةإذنه
فهو صاحب همة عليا،وعزيمة صادقة.
- ان التلميد الفلسفة يفر من أخيه أثرة
لنفسه، و يقيم عليه الدعوى أما التلميذ القرآن فانه يرى جميع عباد الله الصالحين
في الأرض و السماوات،إخوانا له،يشعر من أعماق روحه بأواصر شوق تثده نحواهم.[27]
ومما لفت نظري،و شد اتباهي في
محاورته ما اشار إليه من أن أوربا اثنتان:
- أوربا النافعة.
- اوروبا الفاسدةز
و قد كشفتالنورسي في وضوح عن مساوئ
اوربا الفاسدة. لذالك حرص على أن يحذر من تقليدها في هذا الجانب.
و أوربا الفاسد عملت ما في وسعها
لإذابة الشعوب،وانسلاخها عن عقائدها،و مذاهبها،وحضارتها،لتصبح مسخا شائها تابعا
لغيره لقد عمل الفساد من الفاسدة على تضليل المجتمعات الإنسانية وخدائها و التموية
عليها و القلب و الحقائق، و تشوية الحقيقة،و تصنيع الكلمة، و زخرفة القول،و الدخول
الى المخاطب من نقطة الضعف و الإستغفال لإغرائه،والايقاع به.
و لكم تهاوت امم،وشعوب،و أجيال-قلدت
الفاسدة في فسادها- و تساقطت في هاوية الضلال و الإنحراف ،و الفساد
الخلقي،والعقدي،والإجتماعي،بسبب تصورات "الفاسد" المزخرفة،الخداعة التي
يرقص السذج ،والجهال على نغم ايقاعها و لكن عانى الإنسان و المجتمعات و الشعوب من
اولئك الذين يصنعون الفساد،و يصدرونه في مواجات تقتهم الديار البيوت،لقد قيد
الإنسانية الى هاوية الضلال،و الإنحراف.
ولقد بدألي واضحا أن الإمام بديع
الزمان سعيد النورسي لم يستسلم لهذه التيارات ولذالك بعد أن كشف عنها في
محاورته،وضع الأساليب المثلي لمنيريد من أبناءالأمة تطهير المجتمعات منها. وتجد
الأساليب و المواجهته واضحة فيما يلي:
-نوافذ النور- مفاتيح النور-نور
المعراج-كنت أبحث عن النور- لاأشبع من مطالعة الرسائل-الرسائل من علوم الإيمان –الرسائل
مرشدة – الرسائل قوت وغذاء- العقل و القلب معا في الرسائل النور –مهمة الرسائل
النور- النساء في الطريق النور-الحاجة الى رسائل النور- العلاج الوحيد:رسائل النور-
الالتحاقبرسائل النور- انتصار رسائل
النور-رسائل النور سانحات قلبية-الحقيقة القرآنيةة في الرسائل- حس مسبق
برسائل النور- الرسائل تؤدى المهمة- مكاسب العمل لرسائل النور.[28]
وقد لايكون المرء مجانبا للصواب
إذكانت لديه ان هذا الرسائل النورانية جاءت لمواجهة تحديات العصر.
ورسائل الإمام بديع الزمان سعيد
النورسي-و التي أشرنا الى بعض منها- جاءت لتؤكد للناس وللمجتمعات:ان الأمة
الإسلامية أمة معيارية.و يكاد أن يكون مفهوما أن الأمة الإسلامية هو أمة المعيار
الذي و كل اليها أمر الشهادة على الناس،و القيادة بهم.بما تمتلك من قيم المعصومة
محفوظة في الكتاب و السنة.
و المعيارية في شخصية المة،و التي
جاءت كليات رسائل النور تكشف عنها تعني : أن الأمة الإسلامية في الأفرادها و
مجموعها تبقي بمأمن من التحديات.الأنها
عند التزامها بقيمها تعريف ماذ تأخذ،و ماذا تدع.[29] –و
غيرها لاتستطيع في الظل التماسك الأمة بمعيار يتها أن تذيب ثقافة الأمة ولاأن تلغيهويتها،ولا أن تستطر على قيمها.
و يكاد يكون مفهوما أن تحديات
الفاسدة إنما تمتد إبتداء في الداخل المجتمعات الفاقدة للمعاير،و مركز الرؤية و
لذالك تتركز الوسائل التحديات في المحاولة
غخراج الأمةعن قيمها المعيارية.لتصبيح مهيأة لتقبل ما يلقى إليها دون القدرة على
إختياره و معايرته بالشكل المطلوب.
إن
إشراقات ولمعات النور التي وضعها النورسي تعتبر من المنبهات الثقافية و المواجهات
الضرورية لإعادة شحذ الفاعلية،واستعادة بناء الذات ،وإنهاء حالة الإسترخاء والكسل.
ويؤكد النرسي فيما ذكره من رسائل
المواجهة: أنه لا يوجد مدراسة تتناول بالرعاية و العناية النفس الإنسانية كالمدرسة
الإيمان. لأن ايمان يخط المسار، ويضع المناحج،و يحول بين النفس و بين دواعي
الإنحراف بما توفر من قيم فعالة تعالج ما
قد يبتلى به الإنسان.
و قد لايكون المرء مجانبا للصواب
إذا ما تأكد لديه أن ما تعانية المجتمعات من هزائم فكرية،وإجتماعية و غيرها هو
نتيجة حتمية لانهدام الشخصية امام المفاسد.
إن الحضارة وصلت إلى اعلى مستوى من
الرقي العمراني،و التقدم العلم الهائل ،ولكن قصة البشرية رغم التقدم الحضاري فيها
مساوئ كثيرة زلت فيها أقدام البشر،و ضاعت عقولهم.
فقد اطلقت الحضارة في جانبها
الإفسادى حرية الإنسان .وحررت غرائزه من كل ضابط... وتحولت الحريات الى انحراف في الغريزة و الى شذوذ في
الطبيعة،و الى عدوان على حرية الأخرين.
ومن تعاسة الحضارة المادية انها
عكست كرائم النعم عكسا أسقط الإنسان في وديان الهلاك و الدمار. وسقطت الإنسانية
دون العالم الحيوان،فرجت خسائس العادات،وذمائم الصفات.
لقد راجت العلوم بلا ريب،ولكن هذه
الحضارة التي علمت الناس كيف يسبحون في الماء باالغواصات،وكيف يطيرون في الفضاء،و
في الهواء ، و فوق السحاب ،و على الكواكب المجموعة الشمسية،عجزت حتي اليوم عن تعاليم أبنائها و شعوبها كيف يسيرون على
الأرض في الطريق الخير بغير عوج و التواء.[30]
ويقينا جاءت كليات الرسائل النور لتحرير الإنسان.
- لأن أول دعامة
في منهج النورسي هي:
تحرير العقل و الفكر و
ان شئت فقل: تحرير الإنسان من أصفاد الجهل و ظلمته. لأن الجهل يقتل مواهب الفكر ،و النظر ،و يطفئ نور ا
لقلوب،و يعمي البصائر،و يميت عناصر القوة
و الحياة يفيد على الناس مناحج الإستقامة.
- وثاني دعامة
: هي تحرير الإنسان من أغلال الحجر العقلي،و سيطرة التبعية العمياء.
- و الدعامة الثالثة :
تحرير الإنسا من طاعة لأهواء و لإنقياد لأعمى لمغريتها لأن طاعة الأهواء من أقوي
عوامل انحراف الإنسانية في السلوكه،و التواءه في نظره و تفكيره.
و هؤلاء الذين يطيعون الأهواءلايستقيم
لهم رأى ،ولا تعتدل لديهم موازين ،ولايخضعون لحق ليس في جنابهم.
و المتأمل في الخطوات الست التي
جاءت في صيقل الإسلام "يجد أنه تؤهل الإنسان للعطاء،و التنمي فيه القدرة على
إبداع بما تفتح له من آفاق التفكير.[31]
وقد كان لابد أن أعود إلى المذكرة
الخامسة من اللمعات حيث الوجدنا أن النورسي حاور أوروبا الثنابة التي تعفنت و لم يحاور أوربا النافعة للبشرية.
إذن كانت محاورته لأوربا الثانبة من
أجل إنقاذ الإنسان لأن الإنسان في التصور الإسلامي قمة الكائنات
الحية التي تعيشعلى وجه البسيطة،وافضلها،وأكرمها لما اودعه الله فيه من
مزايا،و ميزة من صفات.
و الباحث بعمق يجد أن تفكير الإمام النورسي التقى مع التفكير
الفيلوسوف القرطبي ابن الرشد حيث قال "إن الفينا لمن تقدمنا من الأممالسابقة
نظرا في الموجودات،واعتبارا لها بحسب ما إقتضته
شرائط البرهان أن ننظر في الذي
قالوه من ذالك، و ماأثبتوه في كتتبهم.فما قالوا منها موافقا للحق قبلناه
منهم،وسررنا به، وشكرناهم عليه، وما كان غير موافق للحق نبهنا عليه،و حذرنامنه،و
عذرناهم"[32]
و إذا كان النورسي لم يحاور أوروبا النافعة.[33]
قإن ذالكراجع الىإيمان العميق بأن الحكمة ضالة المؤمن انى وجدها فهو أحق بها.[34]
ويكاد أن يكونمعروفا عندأهل العلم
أن التقاء الحضرات – وهو معلم من معالم
التاريخ الحضرى للإنسانية،و تفاعل هذه االحضرات عندما تلتقي- هوا قدر
لاسبيل الى المغالبته او تجنبه.
و الحضارة الإسلامية هي عمارة
الأرض، و ترقية الحياة على ظهورها خلقيا،وعلميا، وأدبيا،وفنيا، وإجتماعيا وفق منهج
الله.
و بناء على هذا المفهوم فإن المجتمع
المتحضر،لأن المجتمع المخضر هو الذي تكون القيم الإنسانية،و الأجلاق الإنسانيةهي
السائدة فيه.[35]
ولا يفوت الباحث أن يدرك أن الإسلام
حين يدخل المجتمعات البدئية ينشئ الحضارة
المناسبة لهذا المجتمع و حين يدخل المجتمعات المتقدمة صناعيا او زراعيا أو غير
ذالك فأنه يستخدم ما لديها منمعطياتو يقيم حضارة هذه المجتمعات مستفيدا مما لديها.و
حين يحتك بمجتمعات متقدمة في الوان من العلوم و الفنون – كأوروبا النفعة التي أشار
اليها النورسي- فإنه يأخد منها ما يتوافق مع القيمة المبادئه.
و إذا كان هذا هو المفهوم
المجتمعالمختصر فلإن التخلف الحقيقي هو
تحويل منجزات العلم الهائلة الى قوى باغية التدمير و التسلط، و تسخير امكانيات
العلم غير المحدودة في النشر الفوضى و العادات غير الخلقية بدلا من استخدامها في
الإعلام القيم لإنسانية.
إن مهمة العلم مفهوم المجتمع
الإسلامى المتحضر ليست قهر الطبيعة أو الانتصار عليها بل التلطفمع الطبيعة،و الجد
في إكتشاف قوانين الله فيها.[36]
وإذا كان هو عمل الإسلام حينما ينشئ
حضارة فان هذه الحضارة التي دعا اليها تتميز بأن منفتحة الحدود الفكرية و النفسية
و المادية.
ويبدو لى أنه لهذا السباب لم يحاور الإمام النورسي
"أوربا النفعة" وكأنه أراد بهذا ان يعلم االناس أن الحوار يكون فيما هو بعيد عن
المسلمات لأن المسلمات لا تحتاج الى حوار فحوارها هو التفاعل معها و اللقاء.
أما اورباغير النافعة فلابد من
حوار الحوار معها لأن الإنسان الواعي
المدرك لرسائل في الحياة.لابد ان يراعى
حدود الروابط الإنسانيةوان يتبادل مع هذا الغير الشعور الإنساني الكريم.
و محاورة اوروبا غير النافعة يعني
أن هناك تجاوب الإنساني وقائي تستريح اليه النفوس،و ترضى عنه،وذالك لأن الإسلام
الحنيفة دين يهتم بالروح،كما يهتم بالجسد.دين يرنو الى الغايات،و القيما الفاضلة
ويتوخى في المحاوراته: السلوكالحياة المثلى بعيدا عن المغيرات و شهواتها المردية.
ولاريب أن هذا النوع من الحوار يؤدي الى التطلع الذي
يرقي بالإنسانية وكل ما يرقى بالإنسانية يجد الناس فيه راحتهوم وهدوءهم كما يضع
أمام الناس علامات مضيئة يجدون فيها ثباتهم،و تسع على السلوك المؤمنين انعاكسات
مشرقة من عالم الاستقرار و الطمأنينة.
وإذا كان الإمام النورسي لم يحاور
أوروبا النافعة لأن حوارها ان يتفاعل معها أصحاب الحضرات. فإن الإسلام الحنيف دعا
إلى اىستفادة من كل ما هو مفيد.
و من يتعمق غاية الحوار
القرآنى الذى انطلق منه النورسي يجد أن هذا الحوار يهدف الى غاية تتضمن
توضيح المعاني ،و إغناء المفاهيم،و تكامل الواعي الإنساني.
و لا شك ان المجتمعات و الأمة اذا وضحتامامها العالم استطاعت ان تخرج منغربتين:
- غربة الزمان
- و غربة المكان
أما غربة الزمانفهي بعد الأمةعن ماض حضاري مشرق لم
تغد تربط الأمةبه عوامل الثقافة الفاعلة البانية.
و اما غربة مكان فهي بعض الأمة عن وضع حضاري معاصر
تجهل أنه كل شئ مما ممثل فجوات حضارية كبري ليس من السهل على الأمة الإسلامية
تجاوزها أو تجاهلها و لذالك لابد لهذا الأمة في مفهوم لإمام بديع الزمان سعيد
النورسي أن تعود إلى التفأل الحضري و تخرج من الاغتراب الزماني و مكاني.[37]
Post a Comment
Post a Comment