شرح الحديث
- 32 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي
نعم خلق الله أول ما خلق الماء والعرش
ثم القلم واللوح فقال للقلم اكتب قال القلم ما أكتب قال اكتب ما كان وما يكون فكتب
في اللوح المحفوظ كل شيء وحفظ هذا اللوح عنده تعالى وفي خاصة ملكه عند عرشه لا
يطلع عليه إنس ولا جن ولا ملك ومما كتب فيه إن رحمة الله تغمر مخلوقاته قبل غضبه
وإن رحمة الله بخلقه أضعاف أضعاف غضبه عليهم لإساءتهم يخلقهم ويجحدونه يرزقهم
فيأكلون خيره ويعبدون غيره ومع ذلك يستمر يرزقهم ويمنحهم النعم الكثيرة التي لا
تحصى وحتى ذنوبهم تلحقها الرحمة فيعفو عنها فبرحمته خلق الخلق وبرحمته يحيون
وبرحمته يموتون وبرحمته يبعثون وفي رحمته يخلدون
)كتاب بدء الخلق ( الخلق بالمعنى الأسمى أي المخلوق ولكل مخلوق بدء لكن المراد
بدء المخلوقات وأيها حصل أولا وأيها كان في البداية قبل غيرها، )لما قضى الله الخلق كتب في كتابه( يقال قضى بمعنى خلق ومنه قوله تعالى
فقضاهن سبع سماوات في يومين ويقال قضى بمعنى حكم وأمضى، فالمعنى على الأول لما خلق
الله وأوجد جنس المخلوقات في بعض أفراده كالماء أو العرش أو القلم والكتاب كتب كذا
وكذا. والمعنى
على الثاني لما قضى وحكم وقدر خلق الخلق كتب كذا وكذا. أي أمر القلم أن يكتب في
اللوح المحفوظ كما صرح بذلك في بعض الأحاديث، (فهو عنده( الضمير هو يعود على كتابه وقوله فهو
عنده قصد به الإشارة إلى كمال خفائه عن الخلق أي فالكتاب وأسراره عنده وحده ويجوز
أن يعود الضمير على المكتوب المفهوم من كتب في كتابه أي فالمعلومات المكتوبة علمها
عنده ،(فوق العرش( استشكل
بذكر كلمة فوق لما هو معلوم أن العرش لا يعلوه شيء وحاول بعضهم رفع الإشكال فزعم
أن لفظ فوق زائدة مثلها في قوله تعالى فإن كن نساء فوق اثنتين إذ المراد اثنتان
فصاعدا ورد هذا بأن الزائد يستقيم الكلام بحذفه كما في الآية أما الحديث فلا
يستقيم الكلام بحذف لفظ فوق إذ لا يقال فهو عنده العرش وقيل معناه دون العرش من
قبيل قوله إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها قال جمهور المفسرين
معناه فما دونها وأقل منها في الصغر فمعنى دون العرش أي تحته وعندي أننا لو قلنا
إن العرش يحيط بالسموات والأرض إحاطة قشر البيضة بالبيضة كان ما في داخله من
مخلوقات يصلح أن يقال عنه أنه فوقه باعتبار أنه فوق جزء من أجزائه فلا إشكال ،(إن رحمتي غلبت غضبي ) إن يجوز فيها فتح الهمزة على أنها بدل من مفعول كتب المقدر
والأصل كتب في كتابه شيئا أن رحمتي غلبت غضبي ويجوز فيها الكسر على حكاية المكتوب
والمراد من رحمته تعالى هنا لازمها من إيصال الخير والمنافع والمراد من غضبه هنا
كذلك لازمه من إيصال الإيلام والعذاب والمراد من الغلبة السبق لرواية إن رحمتي
سبقت غضبي ولو تأملنا لوجدنا رحمته وخيره تعالى سابق لأي ابتلاء لأن الرحمة تفضل
لا تحتاج سببا أما الغضب فهو متوقف على سابقة ما يوجبه وقيل المراد من الغلبة
الكثرة والشمول ولو تدبرنا نعم الله وفضله ورحمته لآمنا بكثرتها عن الغضب بمئات
المرات
ويؤخذ من الحديث:
1-
إثبات القلم لأن الكتابة إنما تكون به
2-
إثبات اللوح المحفوظ لقوله في كتابه وفي رواية في كتاب
3-
إثبات العرش
4-
الرجاء الواسع في رحمة الله تعالى
Post a Comment
Post a Comment